" صدق أو لا تصدق "

دولة تعاني من سرطان الأسعار و ارتفاعها بشكل غير طبيعي في الوقت الذي فيه الأجور كما هي أو تزداد بشكل غير ملحوظ و علي فترات متباعدة , دولة تعيش حالة من الحوار حول إمكانية إلغاء الدعم أو تقليصه بسبب فقر مواردها , دولة يعاني فيها العلماء و الباحثين من قلة الإنفاق العام علي البحوث العلمية و العملية التعليمية أجمع , دولة تعاني من بطالة و تضخم سكاني و غيرها من مشكلات , و مع كل هذا تمنح ما يقرب من مائه مليون جنيه لأفراد منتخبها الوطني لكرة القدم لفوزهم ببطولة القارة .
هل من المنطقي أن دولة تعاني كل هذه المشكلات تكافئ لاعبيها بكل هذه الملايين لفوزهم في مباراة كرة قدم , هل هؤلاء اللاعبين أحوج لهذه الملايين أم قري و عشوائيات مصر , هل هؤلاء اللاعبين أحق بهذه الملايين أم العلماء و الباحثين الذي مازال البعض منهم لا يتجاوز دخله الثلاثة أرقام .
الأغرب من هذا الإسراف و هذا الإهدار للمال العام هو خروج أعدادا من الشعب لأيام متتالية بالطبل و الزمر في الشوارع العامة و الميادين ناسين غلو الأسعار و الهموم و المشكلات التي تحاصرهم , و هذا إن دل علي شئ إنما يدل علي اشتياق هذا الشعب إلي الفرحة , كما يدل علي طيبة و صفاء هذا الشعب , و هذا هو الوصف المهذب للأمر , فلا أريد أن أقول كما قال البعض أنه يدل علي نقص ثقافة و قلة وعي و إدراك و تضخيما للأمور ساذج و فيه افتعال .
لا أريد التقليل من الحدث , نعم منتخبنا الوطني فاز ببطولة مهمة و قد أسعدنا جميعا , و كنت من أكثر المصريين سعادة عند إطلاق حكم المباراة لصافرة النهاية , و لكن يجب أن نضع كل حدث في حجمه الطبيعي , فلنا أن نفرح , ولكن ليس لنا أن نبالغ في الفرحة " كما قال أحد المحللين : لقد تذكرت أيام 73 " , نحن لم نعبر القناة للمرة الثانية , نحن لم نبني أهرامات جديدة , لم يصعد أحد علمائنا إلي الفضاء كسائر الدول المتقدمة , لم يخرج العدوان الأمريكي و الإسرائيلي من العراق و فلسطين .
في النهاية أؤكد علي أني لا أريد تعكير الفرحة , فأنا عاشق لكرة القدم , و حتى إن كنت لا أحب كرة القدم فعلي كل مصري أن يسعد و يفرح بهذا الحدث و إن كان لا يعرف عن كره القدم سوي أسمها فقط , و لكن من بعثروا ملاينا يسارا و يمينا هم الذين عكروا الفرحة , من خرجوا في الميادين أيام معطلين السير و الحركة هم الذين عكروا هذه الفرحة , من ضخموا و بالغوا في حجم الحدث بشكل ساذج هم الذين عكروا هذه الفرحة .
( إمام أحمد )

ليست هناك تعليقات: